هل مررت يومًا بموقف مشابه؟
بعد عشرات المرات من تكرار موضوع الخلاف ذاته مع ابنك أو ابنتك، قد تفكر أو تقول لنفسك:
"لِمَ لا يكون واعيًا كغيره من الأبناء ويختار الصواب؟"...
"لِمَ لا يستطيع أن يفهم أنني لا أريد إلا مصلحته؟"...
"أنا أب/أم فاشل"...
وربما تقول لنفسك:
"لقد جرّبت معه/معها كل شيء، ولكن دون جدوى"...
"لم أعد أستطيع التعامل معهم بعد الآن"...
هذا الكلام وكلام أكثر منه، وربما أعنف وأكثر قسوة يتكرر في أذهاننا كل يوم ويوجه سلوكنا وكلامنا مع أولادنا، وغالبًا هو سبب مشكلتك مع ابنك أو على الأقل جزء كبير منها، ويؤثر بشكل مباشر على علاقتك بطفلك وعلى الصحة النفسية لكما.
الافتراضات والقناعات التي نصدقها عن أنفسنا كآباء، وعن أولادنا، وعن العلاقة بيننا، وعن التربية أحيانًا، تكون مشوهة لدرجة كبيرة، وبعيدة تمامًا عن الواقع، وعن حقيقة احتياجات أولادنا، وعن ما يحقق أهدافك التربوية معهم، وعن التوازن النفسي.
في هذا المقال، ولدقائق بسيطة، نستعرض أشكال مختلفة من الافتراضات والقناعات المعطلّة، وأيضًا التوجه الصحيح المفترض تبنيه تجاه أولادك في رحلة التربية.
القناعات المُحطِمة وكيف نستبدلها لتحقيق عملية تربوية ناجحة وفاعلية وصحة نفسية أفضل لأولادك:
"أنا لست مهمًا"
"لا أستطيع أن أكون أبًا/أمًا صالحًا وأعيش حياة شخصية في نفس الوقت."
"لا بد أن أُضحّي بنفسي من أجل أولادي، وإن لم أفعل ذلك فسأُعَدّ أنانيًا/أنانية."
هذه الأفكار تبدأ بنية طيبة، لكنها تسحبك تدريجيًّا من حياتك. تتوقف عن الاهتمام بنفسك، وتهمل صداقاتك وهواياتك، وتتنازل عن أبسط احتياجاتك، بل وحتى أساسيات الصحة النفسية والجسدية. وكلما فكرت في أن تمنح نفسك قدرًا من الراحة أو الوقت الخاص، يعلو صوت داخلي يلومك قائلًا:
"أهذا وقته؟"
"ألا يكفي ما يمرّ به الأولاد؟"
"لا تكن أنانيًا!"
لكن ما يحدث فعليًا هو أنك تتحول تدريجيًا إلى إنسان مُنهَك، عصبي، وينعكس ذلك على كل شيء، وأولادك أول من يتأثر.
المعتقد البديل:
"أنا بحاجة للعناية بنفسي كي أستطيع عناية اولادي، ولن أتمكّن من أن أهبهم شيئًا من فراغ."
عندما تبدأ في منح نفسك وقتًا بسيطًا: تقرأ، تخرج، تتحدث مع صديق، تعمل على شيء يشبعك، تلاحظ أن طاقتك تتجدد. تستقبل أولادك وأنت أكثر هدوءًا، وتسمعهم وأنت غير مشحون.
الوالد المثالي طول الوقت
"إن لم أكن بارعًا في كل شيء من البداية، فلن أنجح أبدًا."
"إن أخطأت كأب/أم، فسأفقد هيبتي ولابد أن أُخفي خطأي."
هذا الاعتقاد يتسلل إلى تفاصيل كل لحظة تربوية عادية، عندما ترفع صوتك على ابنك وتندم، فبدلاً من أن تعتذر، تظل صامتًا ومتجهمًا وبعيدًا حتى لا تبدو ضعيفًا. وحين تعجز عن احتواء مشاعره، تقول لنفسك "أنا فاشل"، بدلاً من أن تتوقف لحظة لتراجع طريقة تواصلك.
تدخل كل موقف وأنت تشعر بأن عليك أن تكون الأب المثالي، الذي يمتلك ردًا جاهزًا لكل سؤال، وحلًا فوريًا لكل أزمة. والنتيجة؟ توتر مزمن، شعور دائم بالتقصير، ومسافة تتّسع بينك وبين ابنك. كما أن الطفل يتعلم أن الخطأ عيب، وأنه يجب عليه إخفاء أخطائه كما تفعل أنت.
المعتقد البديل:
"أنا والد غير كامل وأخطئ، لكنني أخطئ وأنا أبذل جهدي."
تجد نفسك تتصرف بشكل مختلف في نفس المواقف، تعتذر عندما تخطئ، وتحوّل لحظة الانفعال إلى فرصة للتواصل، لا للقطيعة. وفي تلك اللحظة، يبدأ ابنك في تعلّم أن الخطأ ليس نهاية العالم، وأن هناك دائمًا مساحة للتعديل والإصلاح، والبدء من جديد.
المراقبة والإصلاح طول الوقت
"يجب أن أواجه ابني بكل خطأ يرتكبه، حتى وإن كان بسيطًا."
"يجب أن أحمي ابني من أي ألم أو فشل مهما حدث."
تؤدي هذه المعتقدات – دون أن نشعر – إلى الدخول في حالة استنفار دائم. فكل تصرف لا يعجبك من ابنك، مهما بدا بسيطًا، يتحول إلى معركة يجب أن تربحها: طريقة لبسه، نبرة صوته، نسيانه لواجب، أو حتى تأخّره خمس دقائق عن الموعد. تشعر بأنك مضطر للتدخّل، والتنبيه، والتصحيح، والمنع، والتعليق.
والنتيجة؟ توتر دائم داخل البيت، وشعور متبادل بالإنهاك والرفض. ويدرك الطفل أنه تحت رقابة مستمرة، وأن كل خطأ سيتضخّم، فيبدأ بإخفاء الأمور، أو العناد، أو فقدان الثقة بالنفس.
المعتقد البديل:
"ليس من الضروري أن أتدخل في كل تفصيلة، يمكنني أن أختار معاركي، وأترك له مساحة ليتعلم، حتى إن تألم، فتلك فرصته للنمو."
ستبدأ بملاحظة أن الهدوء يعود تدريجيًا، وأن حدّة المواقف تنخفض، وأن علاقتك بابنك تتحول من صراع على السيطرة، إلى شراكة في التعلّم. في هذه اللحظة، سيخطئ ابنك ويتعلم، لا يخطئ وينكسر، أو يخاف من الخطأ لدرجة تمنعه من الحركة.
كل توتر يعني أزمة
"حين أتوتّر، لا أستطيع أن أمنع نفسي من الانفجار في وجه أولادي."
"تتحكم مشاعري بي، ولا أستطيع الخروج منها إلا بعد ساعات أو أيام."
هذا المعتقد يجعلك تعيش وكأنك أسير لموجة داخلية، موجة بمجرد أن تبدأ، فلا مفر منها. أي كلمة غير مناسبة أو خطأ من طفلك تثير انفجارك. تصرخ، تنهار، ثم تلوم نفسك، لكنك تبرر كل ذلك بعبارة "لقد فقد أعصابي والأمر خارج عن إرادتي"
والنتيجة؟ الطفل يعيش في قلق دائم، متوقعًا حدوث انفجار في أي لحظة، وأنت تدور في دوائر من الغضب والندم دون توقف. لكن الحقيقة أن المشاعر، مهما كانت قوية، لا يجب أن تكون هي القائدة.
المعتقد البديل:
"أستطيع أن ألاحظ توتري، وأتوقف، وأختار ردّي قبل أن أنفجر."
اللحظة الصغيرة التي تأخذها قبل الرد – مجرد نفس عميق، أو مغادرة للمكان، أو لحظة صمت – قد تغيّر كل شيء. تبدأ تلاحظ أن التوتر لا يجب أن يتحول إلى صوت مرتفع، وأنه يمكنك التصرف حتى وأنت مرتبك. طفلك أيضًا يتعلم أن المشاعر ليست شيئًا مخيفًا، وأنه يمكن التعامل معها دون خوف أو هروب، وربما يكون ذلك أكثر ما يحتاجون إلى رؤيته وتعلمه منك.
التفكير السلبي دائمًا
"التفكير الواقعي لا جدوى منه، فالدنيا صعبة ولا مجال للتفاؤل."
"أي خوف أو خطأ يخطر في بالي يعني كارثة."
هذه المعتقدات تجعلك عالقًا في دوامة سوداوية لا تنتهي، كل تصرف بسيط من ابنك يتحول في عقلك إلى كارثة! إذا تكلّم بحدّة، تشعر أنك ربيت شخصًا عدوانيًا؛ إذا تأخر دراسيًا، تتخيل أن مستقبله انتهى؛ إذا قال لك "اتركني وحالي"، تسمعها كأنها "أنا أكرهك".
والنتيجة؟ شعور دائم بالعجز، ضغط نفسي مستمر، قد يؤدي إلي انسحاب تدريجي من العلاقة لأنك مقتنع بأنك "لا تصلح" أو إلي عنف شديد جدا في التعامل مع ابنك وسلوكه.
المعتقد البديل:
"أفكاري السلبية ليست صحيحة دائمًا، أستطيع أن أتوقف وأراجعها بعقل أكثر هدوءًا."
تبدأ في ملاحظة الفارق بين ما يحدث فعليًا وبين القصص التي يؤلفها عقلك، وتسأل نفسك: "هل يكرهني ابني حقًاأم أنه يحتاج للمساحة فقط؟"، "هي هذه كارثة فعًا أم مجرد يوم صعب؟" ومع الوقت، تقل قسوتك على نفسك، وتزداد مرونتك مع ابنك، وهذا يجعل العلاقة أكثر هدوءًا، وأقرب، وأصدق.
تذكّر دائمًا:
"أول خطوة لتغيير ما تفعله كل يوم مع أبنائك، ولتحقيق توازن أفضل لهم، هي تغيير الطريقة التي تفكّر بها تجاههم".
فالتربية رحلة طويلة ومعقّدة، وكل تعديل صغير في طريقة التفكير يصنع فرقًا كبيرًا على المدى البعيد. وعندما يبدأ الوالد أو الوالدة بتغيير أفكارهما، فهما يبنيان جيلًا أقوى، أهدأ، وأكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة.
لمزيد من النصائح في التربية، اشترك في دورة التربية اليقظة مع :
أ.شيرين خليل الأخصائية النفسية والخبيرة التربوية- https://belaraby.today/slides/ltrby-26