هل يمكن أن يكون الخوف وسيلة للتعبير عن الاهتمام؟

كتابة: ندى رأفت تحرير: د. مروه عزت
في فيلم الرسوم المتحركة الشهير Monsters Inc.، الذي قدمته شركة بيكسار عام 2001، ارتبط اسم الشركة الخيالية بشعار بسيط لكنه يحمل أبعادًا نفسية عميقة: "We scare because we care" – "نخوّف لأننا نهتم."

الشعار كان يُستخدم لتبرير عمل الوحوش، حيث كانوا يدخلون غرف الأطفال ليلاً ويُخيفونهم بهدف جمع طاقة الصراخ، التي تُستخدم كمصدر للطاقة في عالمهم، للوهلة الأولى يبدو الأمر كوميديًّا وخياليًّا، لكنه يعكس فكرة موجودة في حياتنا اليومية: هل يمكن أن يكون الخوف وسيلة للتعبير عن الاهتمام؟

الخوف كأداة للرعاية

في العلاقات الإنسانية كثيرًا ما يُستخدم الخوف كوسيلة من وسائل الرعاية، فالأب أو الأم قد يلجأون إلى التخويف أو العقاب بدعوى حماية الأبناء من الأخطاء، والمعلّم قد يرفع صوته ليزرع الانضباط في تلاميذه، والقائد أو المدير قد يستخدم التهديد ليحفّز فريقه على الالتزام.

من منظور أصحاب هذه السلوكيات، يصبح الخوف وسيلة للاهتمام وطريقة – ربما غير واعية – للتعبير عن الحرص على الآخر، لكن هذه الطريقة غير الصحية قد تخلق آثارًا عكسية. الخوف قد يزرع التبعية والقلق، لكنه لا يبني ثقة حقيقية ولا ينشئ قدرة داخلية على التعلّم أو الالتزام، وقد يكون فعالًا على المدى القصير، لكنه يُضعف العلاقات الإنسانية على المدى الطويل

لحظة التحول في الفيلم

النقطة المفصلية في Monsters Inc. كانت عندما اكتشف "شَلَبي سولوفان" أن "طاقة الضحك أقوى عشر مرات من طاقة الصراخ". هذه الجملة البسيطة في نهاية الفيلم تختصر تحوّلًا عميقًا، من الاعتماد على الخوف كوسيلة للبقاء، إلى الاعتماد على الفرح والبهجة كطاقة للحياة. هنا يصبح الفيلم استعارة رمزية لعالمنا الواقعي، حيث يمكن أن تُبنى المؤسسات والعائلات والعلاقات إما على الخوف أو على الأمان.

منظور العلاج المرتكز على التراحم (CFT)

في Compassion Focused Therapy أو العالج المرتكز على التراحم، طور الباحث Paul Gilbert- بول جيلبرت، نموذجًا مهمًا لفهم انفعالاتنا اليومية، يُعرف بـ نظام الدوائر الثلاث:

  1. دائرة التهديد (Threat System): وهي المسؤولة عن القلق، والخوف، والغضب. تُفعَّل هذه الدائرة عندما نشعر بالتهديد أو التوبيخ أو الصراخ.

مثال: عندما يوبخك أحد والديك بقسوة.

  1. دائرة الدافع (Drive System): وهي مرتبطة بالطموح والسعي وراء الإنجاز والمكافآت، بالتالي فهي تدفعنا للعمل الجاد والإنجاز.

مثال: عندما تسعى لإنهاء مشروعك قبل الموعد المحدد.

  1. دائرة التهدئة/الطمأنينة (Soothing System): وهي مرتبطة بالراحة، والأمان، والارتباط بالآخرين. تُفعّل هذه الدائرة من خلال الرعاية، والحنان، ويالطبع الضحك.

مثال: عندما تجلس مع أسرتك وتضحكون معًا على موقف طريف.

عندما يكون اهتمامنا بالآخرين مبنيًّا على الخوف أو التهديد، فإننا نظل عالقين في دائرة التهديد، مما يولّد قلقًا مستمرًا. لكن عندما نستخدم الرعاية الممزوجة بالرحمة والدعم، فإننا ننشّط دائرة التهدئة، والتي تمنح الإنسان شعورًا بالأمان يسمح له بالنمو والتطور.

ربط النموذج بالفيلم

ما فعله "شلبي سولوفان" في نهاية الفيلم هو بالضبط ما يقترحه نموذج CFT، بدلاً من الاعتماد على التهديد (الصراخ) كمصدر للطاقة، اكتشف أن الضحك (الطمأنينة والمرح) أقوى عشر مرات. هذا التحول يُشبه الانتقال من دائرة التهديد إلى دائرة التهدئة، حيث تنبني الطاقة على الأمان والتواصل الإيجابي بدلاً من التخويف و التهديد.

فيلم Monsters Inc. يذكرنا بأن الاهتمام الحقيقي لا يُقاس بمقدار الخوف الذي نزرعه في قلوب الآخرين، بل بمقدار الأمان الذي نمنحهم إيّاه. يمكن أن نختار أن نخيف أو نضغط أو نهدد من نحب بدعوى أننا نهتم، لكننا في الحقيقة نمتلك بدائل أعمق وأكثر فاعلية: منح الأمان، المساحة للتجربة والخطأ، وإدخال الضحك في المواقف الصعبة.

بالمثل يمكن تطبيق هذه الفكرة اللامعة التى اقترحها "شَلبي" في حياتنا اليومية، مع أبنائنا وزملائنا وأحبائنا، بدلا من التوجيه بالصراخ والتهديدات، خذ نفسًا عميقًا ثم ابدأ بدغدغة ابنك واضحكا معًا قبل أن تطلب منه تلك المهمة التى يرفض أداءها، وبدلًا من توبيخ مرؤوسيك في العمل، قدّم النقد البناء على انفراد بمزيج من المحبة والتفهّم، أما بالنسبة لتلاميذك، فإلقاء دعابة في بداية الشرح قد يرفع مستوى تركيزهم ورغبتهم في التعلم عشر مرات أكثر من العصا.

كلمة أخيرة

الخوف يخلق صمتًا، وتبعية، وقلقًا مستمرًّا، أما الأمان والضحك والرحمة فهي معانٍ تفتح أبوابًا للنمو والحرية. كما علّمنا "شلبي سولوفان"، فالضحك ليس مجرد بديل للصراخ، بل هو ثورة داخلية تنقلنا من عالم التهديد إلى عالم الطمأنينة.

وإذا كان الخوف يستهلك طاقتنا، فإن الرحمة تمنحنا طاقة مضاعفة؛ لذلك، إن كنا نريد أن نهتم حقًا، فعلينا أن نجرؤ على استبدال الخوف بالحب، والتهديد بالأمان، و الصراخ بالضحك. في النهاية: القوة الحقيقية ليست في إخافة الآخر، بل في أن تمنحه مساحة ليشعر أنه آمن.

تعلم المزيد حول بناء علاقة آمنة خالية من الخوف، في دورة "دورة العلاقات الفعالة" مع أ/داليا سرحان على منصة بالعربي توداي

https://belaraby.today/slides/mhrt-l-lqt-lf-l-18