إذا كنت أحد الوالدين فمن المتوقع أنك تود أن ترى طفلك قادرًا على التعبير عن مشاعره بشكل هادئ ومقبول بدون نوبات غضب أو انفعال شديد. بالإضافة إلى ذلك فإن طفلك قد يمر يوميًا بمشاعر مختلفة كالفرح والحزن والخوف وقد يصعب عليه التعرف عليها وفهمها وبالتالي التعامل معها. وتعد مهارة التنظيم الانفعالي هي المفتاح الأساسي لتعلِّم طفلك التعامل مع مشاعره والتعبير عنها بشكل فعال، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
ما هو التنظيم الانفعالي؟
قدرة الطفل على التعرف على المشاعر ووصفها والتحكم في شدتها بشكل مناسب للمواقف التي يتعرض لها، مما يسمح له بالهدوء بعد الانزعاج، وانتظار دوره حتى عندما يكون محبطًا. فالطفل الذي يمتلك مهارة التنظيم الانفعالي عندما يتعرض لموقف مزعج يستطيع مثلًا:
- أن يتعرف على مشاعره: "أنا غاضب".
- أن يتحكم في شدة الشعور: يتمكن من تهدئة نفسه بدلًا من الصراخ أو التخريب.
- يعبّر عن مشاعره بطريقة مناسبة: "أنا غاضب من هذا الموقف وأحتاج إلى المساعدة".
أهمية التنظيم الانفعالي لطفلك وصحته النفسية:
المشاعر الشديدة جزء طبيعي من النمو، لكن معرفة كيفية التعامل معها أمر لا يولد الطفل به، لذلك يحتاج طفلك أن تقدم له الدعم والتدريب عليها لأنها تساعد طفلك على:
- تهدئة المشاعر السلبية مثل الغضب والحزن والقلق.
- بناء علاقات صحية مع الأقران.
- التكيف مع البيئات المختلفة مثل المدرسة والحضانة.
- تنظيم المشاعر في الطفولة يساعد على التوازن النفسي في مرحلة المراهقة.
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يستطيعون تنظيم مشاعرهم يتمكنون من أداء أفضل في المدرسة، فهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر تركيزًا و إنتاجية وقدرة على التعايش مع أقرانهم ومعلميهم.
علامات تشير إلى أن طفلك يعاني من صعوبات في التنظيم الانفعالي
في البداية لابد من الإشارة إلى أن كل طفل مختلف عن الآخر وقد يواجه بعض الأطفال صعوبة في تنظيم انفعالاتهم نظراً لأنهم أكثر قابلية للتأثر العاطفي عن غيرهم بشكل فطري، أو بسبب الخبرات السلبية في الأسرة، والتي قد تسبب لهم التوتر والقلق أو التعرض للصدمات النفسية، أو وجود أحد الاضطرابات النمائية العصبية مثل اضطراب فرط النشاط وقصور الانتباه.
ومن العلامات التي تساعدك لتحديد ما إذا كان طفلك يٌعاني من صعوبات في التنظيم الانفعالي ما يلي:-
- نوبات غضب متكررة أو طويلة.
- صعوبة في التهدئة بعد الانفعال.
- اللجوء للضرب أو الصراخ بدل الكلام.
- الانسحاب أو البكاء الزائد عند مواجهة مواقف صعبة.
وكذلك من المهم معرفة أن النوبات الانفعالية طبيعية ومتوقعة الحدوث من حيث النمو في بعض الأعمار على سبيل المثال، يعاني الأطفال الصغار ومرحلة ما قبل المدرسة من نوبات غضب لأن أدمغتهم لا تزال تتعلم كيفية التعامل مع المشاعر الكبيرة.
ولكن إذا استمرت هذه النوبات خلال سنوات الدراسة، أو تكررت كثيرًا، أو أعاقت الحياة اليومية - مثل التعلم، أو الصداقات، أو الروتين العائلي - فقد يشير ذلك إلى حاجة الطفل إلى دعم إضافي للتنظيم الانفعالي.
كيف تساعد طفلك على تنظيم مشاعره؟
فهم المشاعر والتعرف عليها
من الضروري جدًا أن نُساعد أطفالنا في البداية على فهم المشاعر والتعرف عليها لأن هذا سيُزودهم بالمهارات اللازمة للبدء في وصف مشاعرهم، وبالتالي تنظيمها، ويمكنك استخدام كروت المشاعر في التعرف عليها.
تُشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يفهمون مشاعرهم يصبحون قادرين على تكوين صداقات أقوى، وتهدئة أنفسهم بشكل أسرع عند الانزعاج، وتقل لديهم الأفكار السلبية، ويتحسن أدائهم الدراسي، وبالتالي يمكنهم تنظيم مشاعرهم.
ويمكنك تدريب طفلك ومساعدته على تنظيم مشاعره من السنوات الأولى في حياته من خلال مساعدته على فهم مشاعره. فمثلاً إذا رأيت طفلك في حالة من الفرح والمرح فقم بوصف هذا الشعور عند رؤيته "أعتقد أنك تشعر بالسعادة" وكذلك إذا رأيته غاضبًا فقل "أعتقد أنك تشعر بالغضب" يُسمى هذا وصف المشاعر وهو أمر أساسي في هذه المرحلة من النمو.
بعد مساعدة طفلك في التعرف على مشاعره، اربط هذه المشاعر بالاستجابة الجسدية فمثلاً قل "أعتقد أنك غاضب لأنك تصرخ" أو "أعتقد أنك تشعر بالسعادة لأنك تبتسم".
كن قدوة لطفلك
لا تنسَ أن تكن نموذجاً وقدوة لطفلك في المنزل، وعبر عن مشاعرك أمام طفلك، على سبيل المثال: إذا كنت تشعر بالفرح عبر ذلك بقولك " أشعر بالفرح" وإذا كنت غاضبًا، عبر عن شعورك وتعاملك معه فمثلاً يمكنك القول: " أنا غاضب جداً وأحتاج إلى التنفس ببطء حتى أهدأ ".
خلق بيئة آمنة للتعبير
اجعل البيئة من حول طفلك آمنة حتى يتمكن من التعبير عن مشاعره دون الشعور بالخوف أو الذنب أو القلق، ويمكنك فعل ذلك من خلال الاستماع الفعّال لطفلك، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره والتصديق عليها، وعدم لوم الطفل وتجنب السخرية والاستهزاء بما يشعر.
علّم طفلك استراتيجيات التعامل مع الانفعالات الشديدة
درب طفلك على استخدام بعض المهارات البسيطة التي قد تساعده على تنظيم انفعالاته في المواقف المختلفة مثل:
- التنفس العميق.
- تغيير وضعية الجسم (المشي أو الوقوف).
- استخدام الحديث الإيجابي مع الذات.
- العد من 1 إلى 10.
- التحدث مع شخص مقرب عن مشاعره.
التعزيز الإيجابي
قدم التعزيز لطفلك عندما تلاحظ أنه يحاول استخدام استراتيجيات تنظيم الانفعالات السابقة، كأن تقول " أقدّر محاولاتك لتهدئة نفسك وفخور بذلك".
مكان للتهدئة
وفّر لطفلك ركنًا مريحًا في المنزل يُمكنه اللجوء إليه عندما يشعر بالإرهاق، قد يكون هذا المكان كرسي مريح أو ركن هادئ في الغرفة. تذكّر أن الأطفال سيجدون صعوبة في التفكير أو مناقشة مشاعرهم عندما يكونوا في حالة انفعال شديد.
كن صبورًا
أثناء تدريب طفلك على تنظيم مشاعره، لا تنسى أنها مهارة تُبنى ويتعلمها الطفل في مراحل النمو المختلفة، وتوقع حدوث الانتكاسات، لذلك واصل المحاولة مع طفلك وشجعه وتأكد أنك تساعده في الحفاظ على صحته النفسية.
وأخيرًا، يمكنك دعم طفلك للبدء في التدريب على استخدام مهارات تنظيم المشاعر، ولا تنسى أن طفلك في سنواته الأولى مازال في مرحلة النمو، ومازالت هذه المهارة تنمو لذلك سيتطلب الأمر الكثير من الدعم من الأشخاص الكبار. تذكر أن مساعدتك لطفلك خطوة بخطوة تضع أساسًا قويًا لـ الصحة النفسية المتوازنة، وتساعده على تقليل التوتر، وتحسين المزاج، وبناء الثقة بنفسه.
تعلم المزيد حول السيطرة على الغضب في دورة "مهارات تجاوز المحنة والأزمات" على منصة بالعربي: