الأسى والفقد: كيف يمكنك التكيّف مع الألم؟

كتابة: أ. إسراء عبد الرحمن تحرير: د. مروه عزت

الأسى يشبه المحيط، أحيانًا تأتي أمواجه عالية فتغرقك، وأحيانًا تهدأ فتمنحك فرصة للتنفس. هذه الصورة البسيطة تختصر تجربة يمر بها كل إنسان في لحظة الفقد، لكن يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن تحافظ على صحتك النفسية وسط هذه الأمواج المتقلبة؟

في هذا المقال ستتعرف على المراحل الخمس للأسى التي وصفتها الطبيبة النفسية السويسرية “كوبلر روس”، وكيف تساعدك هذه معرفة على فهم مشاعرك والتعامل معها بشكل صحي وعملي.

ما هو الأسى؟

الأسى أو Grief ليس مجرد شعور بالحزن، بل هو رحلة معقدة يعيشها الإنسان بعد فقدان شخص أو شيء مهم في حياته.

للفقد وجوه كثيرة

الفقد لا يقتصر على الموت فقط، بل يشمل تجارب حياتية مختلفة تؤثر على مشاعرنا النفسية بشكل كبير. من أبرز أنواع الفقد:

  • الموت: فقدان أحد الأقارب، الأصدقاء المقربين، أو شريك الحياة، ويعد من أصعب أنواع الفقد لأنه يترك أثرًا عاطفيًا عميقًا يمتد لفترات طويلة.
  • الانفصال أو نهاية العلاقة: مثل الطلاق أو الانفصال عن شريك الحياة أو صديق عزيز. يُعرف أحيانًا بـالفقد الغامض (Ambiguous Loss)، لأن الطرفين لا يزالان موجودين في الحياة بشكل فعلي، مما يجعل معالجة المشاعر وإيجاد معنى جديد أكثر تعقيدًا مقارنة بالفقد للموت.
  • فقدان الأحلام أو الطموحات: يشمل فقدان الفرص أو الأهداف التي كنت تتطلع إليها، مثل فرصة عمل حلمت بها طويلاً، أو إلغاء مشروع طالما خططت له، أو عدم تحقيق هدف مهم. يمتد هذا النوع إلى فقدان المستقبل المتصور أو الافتراضات عن الحياة، ويحتاج الشخص أحيانًا إلى الحزن على هذه الأحلام القديمة قبل القدرة على خلق أحلام جديدة، وهو جزء من عملية القبول والتكيف النفسي.
  • الفقد المادي: يشمل فقدان وظيفة، منزل، أو ممتلكات مهمة، وأيضًا الخسائر المالية الكبيرة مثل تراكم الديون أو الإفلاس، والتي يمكن أن تولد شعورًا بالحزن وتؤثر على الصحة النفسية والعاطفية.
  • الفقد الرمزي أو الاجتماعي: يشمل الخسائر غير المادية والاجتماعية، مثل الانتقال من مدينة أو بلد إلى أخرى، الهجرة وترك العائلة والأصدقاء، فقدان شبكة دعم مألوفة، أو الانفصال عن مجموعة كانت جزءًا من هويتك الاجتماعية.

هذه الخسائر تؤثر على الصحة النفسية والعاطفية، لذا يصبح الحصول على الدعم النفسي والتكيف الاجتماعي أمرًا ضروريًا. ولأن لكل إنسان طريقته في العيش والتجربة، فإن التعامل مع الفقد يختلف من شخص لآخر، لكن فهم المراحل التي تمر بها قد يساعدك على تقليل التوتر واستعادة التوازن النفسي خطوة بخطوة.

المراحل الخمس للأسى

1.مرحلة الإنكار: في البداية يحاول العقل أن يرفض ما حدث، كوسيلة دفاعية لتقليل الصدمة. قد تسمع نفسك تقول: “مستحيل أن يكون هذا قد حدث.” هذه المرحلة طبيعية جدًا، ولا تعني أنك ضعيف، بل إنها محاولة عقلية لحمايتك من الألم المباشر.

2.مرحلة الغضب: مع إدراك الحقيقة، يبدأ الغضب في الظهور. قد تشعر بالغضب من القدر، أو من أشخاص معينين، أو حتى من نفسك. أسئلة مثل: “لماذا حدث هذا؟ ولماذا أنا بالذات؟” قد تسيطر على تفكيرك. من المهم أن تدرك أن الغضب طبيعي، وأن التعبير عنه بطريقة صحية يخفف من حدته ويحميك من الكبت.

3.مرحلة المساومة: في هذه المرحلة، يحاول الإنسان التفاوض مع نفسه أو مع القدر، على أمل أن يغير الواقع. قد تقول لنفسك: "لو أنني فعلت كذا، ما كان هذا ليحدث"، أو تتمنى: "يارب، سأفعل أي شئ مقابل أن تعيده لي". هذه المساومة تعكس رغبة طبيعية في عكس ما حدث، حتى وإن كان مستحيلًا.

4.مرحلة الاكتئاب: عندما يواجه الإنسان حقيقة الفقد بشكل مباشر، قد يغرق في مشاعر الحزن واليأس. تشعر أنك فقدت طاقتك، وتقل رغبتك في الأكل أو النوم أو حتى الكلام. قد تقول لنفسك: “"لقد رحل حقًا… ولا طاقة لي على متابعة الطريق بدونه." هذه المرحلة صعبة لكنها جزء طبيعي من رحلة الأسى، والمهم أن تعطي نفسك حقها من الوقت دون أن تحكم عليها.

5.مرحلة التقبّل: وهي بداية التكيّف مع الواقع الجديد. قد لا يعني ذلك أنك نسيت، بل أنك صرت أكثر قدرة على العيش مع الألم. تستطيع أن تردد جملة مثل: “أنا لم أنسَ، لكنني أحاول أن أعيش.” التقبّل لا يقلل من قيمة الشخص أو الشيء الذي فقدته، بل يثبت أنك قادر على الاستمرار رغم الخسارة.

كيف تحافظ على صحتك النفسية أثناء الفقد؟

عندما نفقد شخصًا أو شيئًا مهمًا، غالبًا ما نشعر بالعجز عن مواجهة الموقف بمفردنا. وبما أن كل شخص يعيش الحزن بطريقة مختلفة، فلا يوجد حل سحري لتجاوز الفقد، لكن هناك خطوات يمكن أن تساعدك على تخفيف شعور الضيق والتكيف مع الخسارة بشكل أفضل:

  • لا تنكر مشاعرك: الاعتراف بما تشعر به هو أول خطوة نحو الشفاء.
  • كن صبورًا مع نفسك: التعافي ليس خطًا مستقيمًا ولا يرتبط بوقت محدد.
  • لا تشعر بالذنب إذا تحسّنت: شعورك بالتحسن لا يعني أنك نسيت، بل أنك تتكيف تدريجيًا مع الواقع.
  • حافظ على روتين يومي بسيط: مثل النوم الكافي، تناول الطعام بانتظام، أو المشي في الهواء الطلق، فهذه العادات تدعم مزاجك وتخفف من الضغط النفسي.
  • الدعم الاجتماعي: غالبًا ما يدفعك الحزن للانعزال، لكن وجود أشخاص حولك يدعمونك وجهًا لوجه مهم جدًا للتعافي. حتى لو لم تكن معتادًا على التعبير عن مشاعرك، حاول مشاركتها أثناء الحزن. قد يخفّف الحديث عن الفقد من العبء النفسي، لكن ليس من الضروري التطرّق إليه في كل لقاء مع الأصدقاء أو العائلة؛ فمجرد التواجد مع من يهتمون بك قد يمنحك شعورًا بالراحة

متى تحتاج إلى الدعم النفسي المتخصص؟

أحيانًا قد يطول الحزن أكثر من اللازم ويؤثر بشكل واضح على حياتك اليومية. إذا لاحظت أن نومك أو شهيتك أو تركيزك أو حتى رغبتك في الحياة نفسها تأثرت بشدة، يصبح طلب المساعدة من متخصص خطوة ضرورية.

المرور بمراحل الأسى تجربة طبيعية يواجهها كل إنسان بعد الفقد، لكن الوعي بهذه المراحل وفهمها يمنحك القدرة على التعامل مع مشاعرك بدلًا من أن تسيطر هي عليك. لا تنس أن الصحة النفسية لا تعني غياب الألم، بل القدرة على مواجهته والتكيّف معه.

للمزيد حول الفقد وكيفية التعامل معه، اشترك في دورة "كيف نتجاوز الفقد؟" مع د. أحمد سواحل على منصة بالعربي توداي. 

https://belaraby.today/slides/lfqd-w-lhdd-28