الصدمات العلاقاتية: عندما يجرحنا من نحب!

كتابة أ. شموع صبري تحرير د. مروه عزت

العلاقات الحميمية هي الصلات ذات القرب الشديد، التي نكون فيها أنفسنا بدرجة عالية من الانكشاف، مع إظهار قدر كبير من الاستضعاف. هي رابطة متينة تجمعك بآخر في حالة من الوصال الحميمي العميق. ولكي تتكون هذه العلاقة، لا بد من توافر الثقة. فبدون الثقة لن تنبني العلاقة.


ومع مراعاة أنه من الطبيعي أن تحدث حالات من عدم الوصال داخل أي علاقة، نتيجة لسوء تفاهم أو خلاف أو بُعد، فهذه الفترات تعد جزءًا لا يتجزأ من أي تعلّق، ويتم التعامل معها عادة من الطرفين بمحاولات إعادة الوصل مرة أخرى.


ولكن، ماذا لو ترتب على هذه العلاقة نوعٌ من الأذى؟ حينها نكون أمام صدمة من نوع خاص تُعرف بـ"الصدمات العلاقاتية".


ما هي الصدمات العلاقاتية؟


الصدمات العلاقاتية تُعرف بأنها انكسار الثقة بعد درجة بالغة من الأذى والضرر، كفيلة بأن تسبب جرحًا نفسيًا غائرًا لصاحبها. وهي تختلف عن مشاعر الوجع التي يشعر بها الجميع ضمن خبرات الحب، والتي يكون فيها مزيج بين التوق والوجع في أي تعلق. تشمل الصدمة العلاقاتية عادةً تعرّضًا متكررًا للإساءة أو الإهمال أو الهجر أو التداخل العاطفي، مما يفضي إلى آثار حيوية نفسية واجتماعية طويلة الأمد.


أنواع الصدمات العلاقاتية:

يمكن تقسيم الصدمات التي نختبرها داخل العلاقات إلى خمسة أنواع رئيسية:

  • صدمة الهجر: نتيجة الفقد المفاجئ أو الانسحاب غير المبرَّر من العلاقة.
  • ● صدمة الرفض: نتيجة عدم القبول أو التحقير من المشاعر أو الوجود.
  • ● صدمة الغدر: نتيجة خيانة الثقة من شريك أو صديق مقرّب.
  • ● صدمة الإذلال: نتيجة الإهانة أو التقليل من الكرامة أمام الآخرين.
  • ● صدمة الظلم: نتيجة المعاملة غير العادلة أو انعدام التوازن في العلاقة.


وينتج عن هذه الصدمات حالة مؤلمة من أزمة الثقة، وهي حالة من الخوف من التعرض مستقبلاً للخذلان أو الغدر أو الخداع، غالبًا ما تنشأ نتيجة لتجارب سابقة من الخيانة أو الهجر أو التلاعب.


  • خطورة صدمات العلاقات الحميمية

العلاقة الحميمية تمتلك القدرة على اختراق كل دفاعاتنا وتجريدنا مما يحمينا، لذا فإن الصدمات التي تصيبنا داخل العلاقات تترك أثرًا عميقًا وجراحًا متوغلة داخل النفس، منها: 

1. انكسار الثقة: وهو ما يحدث بينك وبين الشخص مصدر الأذى، مع الحيرة حول إمكانية ترميم العلاقة من عدمها.

2. الجروح النفسية: وهي الجروح التي تجعل من الصعب عليك تكوين صلات جديدة بسهولة، سواء مع الشخص نفسه أو مع غيره.

3. فقدان الحس بالذات: أن يتحطم إحساسك بنفسك بعد ما تعرضت له، ويبدأ داخلك البحث عن "ماذا يقول هذا عني؟"و "ما السبيل لتخطي ما حدث؟"


  • مفاهيم أساسية لفهم أزمة الثقة:


قبل الحديث عن التعافي والشفاء، هناك مفاهيم أساسية  عن الثقة لا بد من توضيحها، كي تساعدك على ترتيب أفكارك:


أولًا: ما هي الثقة؟


 الثقة هي الاعتقاد بأن شخصًا ما لن يسبب لك ضررًا عمدًا. هي الإيمان بمصداقية شخص آخر، وتُبنى على النزاهة والصدق، وعلى قدرتك على الاعتماد عليه لفعل ما تراه صوابًا. الثقة تُكتسب ولا تُمنح، ومعايير منحها تحددها أنت.


ثانيًا: ما هي أزمة الثقة؟ 


هي عندما يصدر من شخص فعل يسبب لك ضررًا بالغًا، من الصعب تصديقه أنه حدث دون وعي منه. تبدأ صورة هذا الشخص في الاهتزاز داخلك، وربما تتداعى كليًا، فتعيش حالة من التساؤل عما إذا كان فعلًا هو من تظنه، أو مجرد صورة ظاهرة خادعة.


ثالثًا: كيف تعاد الثقة؟


إعادة بناء الثقة تبدأ بمحاولة فهم دوافع الشخص خلف الفعل المؤذي. والتعافي الحقيقي من أزمات الثقة لا يحدث إلا في علاقات تتوفر فيها عناصر: الالتزام، الشفافية، الاحترام، المسؤولية، والثقة المتبادلة. دون هذه الأسس، قد تُعاد صناعة الأزمة نفسها مجددًا.


رابعًا: من الشخص الذي يعاني من مشكلات في الثقة؟


هو ليس من لا يثق إطلاقًا، بل هو من لا يستطيع أن يحدد بمن يثق ولأى مدى وفي أى مطرح ومتى يتوقف عن الثقة. أحيانًا نكون في حيرة من أمرنا: أنثق أم لا؟ والثقة العمياء أو تلك التي في غير محلها أيضًا تُعد من مشكلات الثقة.

كيف تتعافى من الصدمات العلاقاتية؟

التعافي من الصدمات العلاقاتية قد يكون رحلة طويلة، لكنه ممكن إذا توفرت الإرادة والدعم والأدوات المناسبة. وفيما يلي أبرز الخطوات والاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك في هذه الرحلة:

1. طلب الدعم وعدم العزلة

لا تواجه الأمر بمفردك. مشاركة مشاعرك مع أشخاص تثق بهم من الأهل أو الأصدقاء تمنحك إحساسًا بالأمان والانتماء، وتُذكّرك بأنك لست وحدك في هذه التجربة. 

2. الاعتراف بالمشاعر وتقبّلها

اسمح لنفسك بأن تشعر بما تمر به دون إنكار أو تجنّب. الاعتراف بالمشاعر السلبية هو الخطوة الأولى لتفريغها ومعالجتها بدلًا من دفنها داخلك.

3. العلاج النفسي المتخصص

الاستعانة بمعالج نفسي، خاصة من المتخصصين في الصدمات، يمكن أن يفتح أمامك طُرقًا لفهم ما مررت به والتعامل معه. هناك عدة أساليب فعّالة، منها:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): لتغيير الأفكار السلبية المرتبطة بالصدمة.

  • العلاج السلوكي الجدلي (DBT): لتحسين تنظيم المشاعر والمهارات الاجتماعية.

  • إزالة التحسس وإعادة المعالجة بحركة العين (EMDR): لمعالجة الذكريات المؤلمة وتقليل أثرها.

  • العلاج الإنساني: الذي يجمع أكثر من أسلوب ليناسب حالتك الفردية.

4. استراتيجيات الرعاية الذاتية

  • تحديد المحفزات التي تثير استجابتك للصدمة والتعامل معها بوعي.
  • الاهتمام بالنوم المنتظم والتغذية السليمة، فالصحة الجسدية تدعم التعافي النفسي.
  • ممارسة أنشطة تساعدك على الاسترخاء مثل التأمل أو المشي في الطبيعة.
  • تدوين أفكارك ومشاعرك لمراقبة تقدمك وفهم ذاتك أكثر.

5. تنمية الأمل وإعادة بناء الذات

ذكّر نفسك بالمواقف الصعبة التي تجاوزتها في الماضي، ودرّب عقلك على توقع الأفضل. ركّز على نقاط قوتك وما تعلمته من التجربة بدلًا من الاكتفاء بألمها.

6. الدعم الروحاني

 يمكن للدعم الروحاني بمختلف أشكاله، أن يكون مصدرًا عميقًا للسكينة والقوة خلال رحلة التعافي، إذ يصل الإنسان بجوانبه الداخلية ويمنحه شعورًا بالأمان والمعنى.

7. وضع حدود صحية للعلاقات المستقبلية

التعافي لا يكتمل إلا بتعلّم حماية نفسك من التعرّض لصدمة مشابهة مستقبلًا. يشمل ذلك تحديد ما تقبله وما ترفضه، والتواصل بوضوح، واحترام ذاتك قبل أي علاقة.

صدمات العلاقات الحميمية لا تُنسى بسهولة، وقد تترك أثرًا نفسيًا طويل المدى. لكن إدراكك لما تمر به، وفهمك للثقة وحدودها، هو الخطوة الأولى نحو تحقيق التوازن النفسي وبدء رحلة التعافي.


تعلم كيف تبني علاقات قائمة على الاحترام والثقة في الآخر، في دورة "مهارات العلاقات الفعالة" على منصة بالعربي توداي

https://belaraby.today/slides/mhrt-l-lqt-lf-l-18