هل لاحظت يومًا أن نومك يتغير عندما تكون حالتك النفسية ليست على ما يرام؟ ربما تجد صعوبة في النوم، أو تستيقظ كثيرًا، أو تنام أكثر من المعتاد أو تستيقظ في الخامسة فجرا دون سبب. هذه ليست صدفة، فالعلاقة بين الصحة النفسية واضطرابات النوم قوية ومعقدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاكتئاب. في هذا المقال، سنكتشف كيف يؤثر الاكتئاب على نومك، وكيف يمكن للنوم الجيد أن يكون خطوة مهمة نحو الصحة النفسية.
ما هو الاكتئاب؟
الاكتئاب ليس مجرد حزن مؤقت أو مزاج سىء نتيجة موقف ما، بل اضطراب مزاجي يؤثر على طريقة تفكيرك وشعورك وتصرفاتك. يتضمن الاكتئاب احساسًا بالحزن، الذي يكون مستمرًا معظم الوقت في معظم الأيام لمدة أسبوعين على الأقل. قد تجد صعوبة في ممارسة الأنشطة اليومية الاعتيادية، وقد يراودك أحيانًا شعور بأن الحياة قد فقدت معناها.
للاكتئاب طيف واسع من الأعراض، والتي لا ينبغي أن تصاب بها جميعًا بالضرورة. من هذه الأعراض: انخفاض الطاقة، وفقدان الاهتمام، والقلق والشعور بالذنب، والتغير في الشهية، واليأس، والأهم هنا: اضطرابات النوم.
تتسم العلاقة بين الاكتئاب والنوم بطابع تبادلي، إذ يؤثر كل منهما في الآخر بصورة متبادلة ومترابطة. فالمصاب بالأرق يصبح أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بعشر مرات، بينما 75% من المصابين بالاكتئاب يعانون من أحد أشكال اضطرابات النوم.
كيف يسبب الاكتئاب اضطرابات النوم؟
يؤثر الاكتئاب على الجهاز العصبي والناقلات العصبية التي تفرز فيه، مثل السيروتونين والدوبامين، وهي مواد مسؤولة عن تنظيم النوم والمزاج ضمن مهام أخرى. بالتالى تتأثر جودة النوم باختلاف مستويات تلك الناقلات، وهي نفس الناقلات التى ينخفض مستواها في الجسم في حالات الاكتئاب. من أبرز اضطرابات النوم المرتبطة بالاكتئاب:
- الأرق: الصعوبة في بدء النوم أو الاستمرار فيه.
- الاستيقاظ المبكر: الاستيقاظ قبل الوقت المعتاد بعد نوم غير كافٍ.
- النوم المفرط: النوم لفترات طويلة، والشعور بالتعب رغم ذلك.
هل يمكن لاضطرابات النوم أن تسبب الاكتئاب؟
نعم، العلاقة بينهما ليست من طرف واحد. قلة النوم المزمنة تؤثر سلبًا على المزاج، وتضعف قدرة الدماغ على التعامل مع التوتر، مما يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب. لهذا السبب، فعلاج الاكتئاب لا بد أن يتضمن علاجًا لاضطراب النوم، وعلاج اضطراب النوم الناتج عن الاكتئاب لا يكون إلا بالتعامل مع الاكتئاب ذاته.
كيف يمكن كسر هذه الحلقة؟
لحسن الحظ، هناك استراتيجيات فعالة تساعد على تحسين النوم وبالتالي تحسين المزاج والتخفيف من أعراض الاكتئاب:
تنظيم مواعيد النوم
النوم والاستيقاظ في موعد ثابت كل يوم، يمنحك قدرة أعلى على مواجهة الضغوطات اليومية، والتعامل مع المشكلات الصغيرة الطارئة بشكل أفضل. ثبّت مواعيد النوم والاستيقاظ قدر الإمكان واجعلها أولوية في حياتك، حتى في عطلة نهاية الأسبوع. اخلق لنفسك روتينًا بسيطًا ثابتًا كل ليلة، يتضمن هواية محببة تبعث على الاسترخاء، مثل حمام دافئ أو قراءة بضع صفحات من كتاب، المهم هنا هو الاستمرار، فمهما بدا الأمر بسيطًا، ستظهر نتائجه الجيدة بمرور الوقت والالتزام.
تقليل المنبهات قبل النوم
انتبه لما تتناوله من مشروبات تحتوى على الكافيين وحاول أن تتناول قهوتك الأخيرة قبل موعد نومك بـ6 ساعات على الأقل. قلل أيضًا من تعرضك لضوء الشاشات الإلكترونية قبل النوم، خاصة ضوء الهاتف المحمول، لما يشعّه من "ضوء أزرق" يعيق إنتاج مادة الميلاتونين المسؤولة عن تهيئة الجسم للنوم. حاول خفض الإضاءة والابتعاد عن هاتفك قبل النوم بساعتين على الأقل. تجنب أيضا النشاطات المجهدة قبل النوم، كالتمارين الرياضة العنيفة، ويمكنك بدلاً من ذلك أن تمارس تمارين الاسترخاء أو الإطالة.
ممارسة الرياضة
الرياضة اليومية، خاصة التمارين متوسطة الشدة والمشي المعتدل، تساعد على تقليل التوتر وتحسين جودة النوم، حيث تقلل الوقت الفاصل بين استلقائك على السرير وبين الدخول الفعلي في النوم. تساعد الرياضة المنتظمة على خفض مستويات الكورتيزول بالدم، وهو أحد هرمونات الضغط العصبي التي تبقى العقل في حالة يقظة، وتؤثر على جودة النوم في حالات الضغط العصبي كالاكتئاب، عند انخفاض مستوى الكورتيزول في الدم، يتمكن المخ من الاسترخاء والدخول في النوم بسهولة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، فالتمارين الرياضة تساعد على تحسين المزاج، عن طريق إفراز هرمونات "السعادة" مثل السيروتونين والاندروفين والدوبامين، وبالتالى فإنها عامل مساعد قيّم جدًا في علاج الاكتئاب أيضًا.
التحدث مع مختص
في بعض الحالات، خاصة الشديدة منها، والتي تؤثر على جودة الحياة والعمل والعلاقات الاجتماعية، أو تلك المصحوبة بأفكار حول إيذاء النفس، يصبح اللجوء للطبيب النفسي ضرورة لا غنى عنها. يختص الطبيب النفسي بتشخيص الاضطراب بشكل دقيق ووصف العلاج الدوائي والنفسي الملائمين، للوصول للحالة المثلى من الصحة النفسية.
الدعم النفسي يساعدك على النوم بسلام
النوم من أهم ركائز الصحة النفسية. إذا كنت تعاني من أحد اضطرابات النوم المذكورة أعلاه، أو تشعر أنك على حافة الاكتئاب، فلا تخجل من طلب الدعم النفسي، سواء من الأصدقاء أو المتخصصين أو من خلال المساعدة الذاتية المقدمة على موقع بالعربي توداي.
واعلم أن الكثيرون يمرون بتجارب مشابهة، فأنت لست وحدك.
ويمكنك أن تتعلم أكثر حول النوم واضطراباته من خلال دورة "النوم"